وزارة الخارجية تعاني من مشكلة اسمها تركيا

,
مايكل روبين
كاتب اميركي

إذا نظرنا إلى تركيا ضمن أي إطار معقول ومنطقي يقيس الأنظمة المارقة، فإن تركيا ستكون نظامًا مارقًا، حتى إذا ما تجاهلنا احتلالها لشمال قبرص الذي دام 46 عامًا وممارستها لتطهيرٍ عرقي وسرقةٍ علنية للموارد، بل حتى لو تجاهلنا أيضًا ممارستها للتطهير العرقي بحق السكان الأكراد في تركيا. وصحيحٌ أن العالم أدان بوجه حق الرئيس السوري بشار الأسد لاستهدافه المتعمد للأحياء المدنية في حلب، إلا أن الجيش التركي فعل الأمر ذاته في نصيبين وجزيرة ابن عمر وصور.

سجل تركيا في دعم الإرهاب
ألقوا نظرةً على السجل الأوسع للرئيس رجب طيب أردوغان:
• يبدو أن تركيا زودت جماعة بوكو حرام بالسلاح في نيجيريا.
• تجاهل أردوغان لائحة الاتهام التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس السوداني عمر البشير، غير مبالٍ بالقتلى البالغة أعدادهم مئات الآلاف في دارفور، إذ برر ذلك بقوله: “لا يمكن لأي مسلم أن يرتكب إبادة جماعية”، وتُعد وجهة النظر هذه بمثابة استهزاء أيضًا بالإبادة الجماعية للأرمن.
• دافع أحمد كافاس – وهو مسؤولٌ عينه أردوغان – عن تنظيم القاعدة عندما سيطر التنظيم على شمال مالي لفترة وجيزة.
• لم يكتف أردوغان باحتضان جماعة حماس فحسب – وهي جماعة إرهابية فلسطينية تقاتل إسرائيل والسلطة الفلسطينية كذلك – بل يُزعم أيضًا أن جماعة سادات (وهي جماعة إسلاموية خاصة شبه عسكرية يُديرها أحد كبار مستشاري أردوغان السابقين) ساعدت الجماعة الإرهابية [حماس] في غسيل الأموال.
• رسم أردوغان مخططًا بغية السماح لإيران بالتحايل على العقوبات وتجاوزها، كما فضح جواسيس يراقبون البرنامج النووي الإيراني. ووفقًا لممثل حماس، فإن أردوغان التقى أيضًا بزعيم فيلق القدس الراحل قاسم سليماني في أنقرة.
لقد دخل سلوك تركيا تجاه تنظيم الدولة الإسلامية حيز رعاية الإرهاب، إذ أن أردوغان لم يقم بتمكين التنظيم من خلال دعمه لوجستيًا وإمداده بالسلاح وتوفير ملاذ آمن له فحسب، بل – وفقًا لرسائل إلكترونية مسربة –استفادت عائلته أيضًا من ذلك. كما أن العثور على زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي على بعد 3 أميال من الحدود التركية في منطقة تسيطر عليها القوات التركية كليًا ما هو إلا دليل على الازدواجية التركية، مثلما أوضح اكتشاف أسامة بن لادن في أبوت آباد الازدواجية الباكستانية.

مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية المتمرسين يتقاضون مرتبات من تركيا
لقد أصبح تواطؤ تركيا أكثر وضوحًا منذ هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، فبعدما منح المبعوث الأمريكي الخاص جيمس جيفري – وهو سفيرٌ سابق لدى تركيا – القوات التركية ووكلائها الضوء الأخضر، غزت هذه القوات المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في سوريا وبدأت فورًا بالتطهير العرقي بحق الأكراد. وقد خلص الجيش الأمريكي إلى أن تركيا “تدعم بشكل نشط العديد من الميليشيات والجماعات الإسلاموية المتشددة ‘المنخرطة في أنشطة إجرامية عنيفة’”. في حين أن العالم يندب ويبيع الكلام للنساء والأطفال اليزيديون الذين تم استعبادهم واغتصابهم فأصبحوا ضحايا على يد تنظيم الدولة الإسلامية، ولا يزال العبيد اليزيديون مستعبدين في كل من تركيا والمناطق السورية التي يسيطر عليها وكلاء تركيا. إذ تقوم القوات المدعومة تركيًا بخطف النساء واغتصابهن بلا عقاب في المناطق التي تحتلها الآن في سوريا. كما سمحت لهم فتوى ضابطةٌ للجيش الوطني السوري المدعوم تركيًا بمصادرة ممتلكات أعدائهم؛ أي قوات الدفاع السورية المتحالفة مع الولايات المتحدة. وفي حقيقة الأمر، توفر هذه الفتوى غطاءً دينيًا لممارسات التطهير العرقي التي تنفذها الجماعات المدعومة تركيًا.

ويتبين عدم صدق أردوغان وجديته بشأن تنظيم الدولة الإسلامية من خلال عدد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية المتمرسين الذين يقاتلون الآن بجانب القوات بالوكالة التي تدعمها تركيا في سوريا وأماكن أخرى. أصدر مركز معلومات روجافا (مؤسسة بحثية لم تتمكن تركيا من تفنيد أبحاثها الدقيقة) العام الماضي قاعدة بيانات تتناول 40 مقاتل متمرس تابع لتنظيم الدولة الإسلامية – يُعد هؤلاء المقاتلون إلى جانب أعضاء آخرون تابعون لجماعات مدعومة من تركيا في الأساس عملاء يعملون لصالح تركيا، كما أنهم يتقاضون مرتبات إما من وزارة الدفاع التركية أو جهاز الاستخبارات التركي.

وعلى سبيل المثال، فلننظر في سعيد الشاهد العنتاري الذي يعمل اليوم مترجمًا لدى القوات التركية في تل أبيض. لقد كان العنتاري يعمل لصالح جهاز الاستخبارات الخاصة بتنظيم الدولة الإسلامية عندما كان التنظيم يُسيطر على هذه المنطقة. وعلى نحوٍ مشابه، كان عبد الله أحمد العبد الله يعمل لصالح جهاز الاستخبارات الخاصة بتنظيم الدولة الإسلامية، ولكنه اليوم يعمل لصالح القوات التركية في صوامع الحبوب المنهوبة في رأس العين. كما كان فايز العقل – محافظ تنظيم الدولة الإسلامية لمدينة الرقة – متواجدٌ في اجتماعاتٍ مع مسؤولين أتراك في تل أبيض، حيث ورد أنه سعى إلى التفاوض على صفقة تمكن أسرته من تولي مسؤولية ميليشيا محلية بدعم تركي. كان بإمكان تركيا أن تعتقل العقل إلا أنها لم تفعل ذلك – رغم عدم قيامها بذلك، إلا أن ضربة جوية أمريكية منفذة بطائرة مسيرة قبل شهرين أزلته نهائيًا من ساحة المعركة.

والقائمة تطول، حيث قاتل قصي سعيد العزيز في ريف دمشق وحمص لصالح تنظيم الدولة الإسلامية، كما أنه شارك بعد ذلك في جهود التطهير العرقي بحق منطقة عفرين نيابةً عن تركيا. ولا يقاتل هؤلاء المقاتلين المتمرسين التابعين لتنظيم الدولة الإسلامية لصالح تركيا في سوريا فحسب، إذ نقل أردوغان مقاتلين موالين له آخرين تابعين لتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية إلى ليبيا للقتال بجانب وكلائه هناك.

ولا تقوم هذه الحالات (وهذه مجرد بضعة أمثلة قليلة من أصل عشرات ظهرت) بتكذيب وتفنيد ذرائع وحجج تركيا لغزو الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا تحت غطاء مكافحة الإرهاب فحسب، بل أيضًا تُظهر أين يقع تعاطف أردوغان الأيديولوجي. فعندما دخل الجيش الوطني السوري المدعوم تركيًا المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في سوريا، فعلوا ذلك بموجب فتوى توضح أن سبب الغزو ليس مكافحة الإرهاب، بل هو “جهاد في سبيل الله” ضد “الانفصاليين…[و] الملحدين الذين يستهزؤون بالدين”.

وداخل أراضي الولايات المتحدة، قامت تركيا بتنشيط خطة لإجراء عمليات تجسس عن طريق ما يبدو وأنه شبكة من الوكلاء الأجانب غير المصرح بهم، مثل منظمة التراث التركي ومؤسسة سيتا. وجهودها لتقويض القانون الأمريكي فيما يتعلق بقضية بنك خلق تُعد إهانة للكونغرس والقضاء الأمريكي. كما أن الهجوم على المتظاهرين السلميين في قلب واشنطن العاصمة ليس سوى تكتيك لم تمارسه في السابق إلا أنظمة مثل جمهورية إيران الإسلامية وتشيلي بقيادة أوغستو بينوشيه.

محاباة وتساهل وزارة الخارجية مع تركيا

وبهذا نعود إلى وزارة الخارجية، إذ توجد هناك مجموعة أساسية من الدبلوماسيين والمسؤولين الأمريكيين في وزارة الخارجية تواصل الاعتذار عن السلوك التركي وتبريره وتخفيف التدابير الرامية نحو محاسبة تركيا، وذلك رغم إدراك البنتاغون والغالبية العظمى من أعضاء الكونغرس من كلا الحزبين ووزارة الخزانة ومجتمع الاستخبارات حقيقة تحول تركيا تحت حكم أردوغان.

ووفقًا لمسؤولين أمريكيين وموظفي وزارة الخارجية القدام، بالإضافة إلى دبلوماسيين وقادة أجانب، فإن المبعوث الخاص جيمس جيفري (وخلف الكواليس، نائبه ريتشارد أوتزن) أثار الدهشة باستمرار بسبب مناصرته لمواقف تركيا، ودفاعه عن روايات أردوغان، وإنكاره للأدلة التي تتناول المخالفات الإقليمية لتركيا. ولم ينتج عن ذلك مجرد نقاش سياسي قوي فحسب، بل أدى أيضًا إلى إيذاء مصداقية الولايات المتحدة بين أوساط دول أخرى في المنطقة. وبدلاً من تعزيز الدبلوماسية الأمريكية، قام جيفري وأوتزن بإضعافها، ولم يصب هذا الأمر في صالح تركيا فحسب، بل أيضًا في صالح روسيا وسوريا الأسد.

ولكن سوريا ليست الملف الوحيد الذي قوض فيه اللوبي التركي في وزارة الخارجية الأمريكية تنفيذ السياسات. ففي ثلاث أزمات (وهي أزمة إيفروس التي سعت فيها تركيا إلى استخدام المهاجرين كسلاح لغمر الحدود اليونانية، وتوغلات تركيا في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص، والتحدي العسكري التركي الأخير للمنطقة الاقتصادية الحصرية لليونان وسيادتها على جزيرة كاستيلوريزو)، قامت على ما يبدو مجموعة صغيرة من الدبلوماسيين المعنيين بالشؤون التركية بتخفيف حدة ردة الفعل الأولية لوزارة الخارجية الأمريكية لكي تكون التصريحات اللاحقة أضعف بشكل ملحوظ من تصريحات الاتحاد الأوروبي. ورغم أن الدبلوماسيين الأوروبيين لا يخشون إسناد المسؤولية، إلا أن وزارة الخارجية الأمريكية أشارت في كثيرٍ من تصريحاتها إلى وجود تكافؤ أخلاقي عندما تكون تركيا في الواقع هي المعتدي أو الطرف الوحيد الذي يطعن في الحدود. وقد كان هذا جليًا مؤخرًا عندما دعت وزارة الخارجية الأمريكية تركيا إلى الامتناع عن إجراء مسح زلزالي في “المياه المتنازع عليها” عند الإشارة إلى المياه اليونانية التي طعنت فيها تركيا وحدها وبدون أي أساس قانوني.

كما يتطلب قانون شراكة الأمن والطاقة لشرق المتوسط – الذي بدأ العمل به في شهر ديسمبر الماضي – من وزارة الخارجية الأمريكية تقديم ثلاثة تقارير غير سرية إلى الكونغرس من شأنها أن توضح الانتهاكات التركية في بحر إيجة والتوغلات في المياه القبرصية والمنطقة الاقتصادية الخالصة والأفعال الخبيثة الأخرى في المنطقة. ولقد انقضى الموعد المحدد لهذه التقارير، لكن يبدو أن الدبلوماسيين الموالين لتركيا في وزارة الخارجية يتباطؤون في وضع اللمسات الأخيرة على هذه التقارير ويعطلون تسليمها، وبذلك ينتهكوا القانون الأمريكي. ويبدو هذا التعتيم شيء طبيعي منذ عودة مساعد وزير الخارجية السابق ويس ميتشل إلى عالم مراكز الأبحاث العام الماضي، تاركًا المسؤول في وزارة الخارجية فيليب ريكر، النائب الأول لمساعد وزير الخارجية للشؤون الأوروبية والأوروبية الآسيوية، ليتولى الملف الأوسع.

وبحسب ما ورد سعى مات بالمر، نائب مساعد وزير الخارجية للشؤون الأوروبية والأوروبية الآسيوية، إلى إجبار الحكومة القبرصية على إبرام صفقة طاقة مع قبرص التركية وذلك حتى دون حل المشكلة الأساسية المتمثلة في احتلال تركيا وسيطرتها على جمهورية شمال قبرص التركية. وفي الواقع، هذا يقوض سياسة الولايات المتحدة طويلة الأمد ويتعارض مع القانون الدولي ويعيد جهود السلام إلى الوراء من خلال إقناع تركيا أنه مع ما يكفي من الصبر ستدعم وزارة الخارجية حلاً يبرر عدوانها الماضي والحاضر.

إلى جانبه، فرض قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات – الذي تمت الموافقة عليه بأغلبية ساحقة من مجلس النواب ومجلس الشيوخ – عقوبات على روسيا وإيران وكوريا الشمالية. وتأثرت تركيا بالعقوبات عندما اشترت S-400 من روسيا وزُعم أنها اختبرت رادار S-400 من خلال تتبع طائرات F-16 الأمريكية الصنع التي تم تقديمها سابقًا إلى تركيا. وعلى الرغم من هذه الانتهاكات الواضحة، تواصل وزارة الخارجية تقويض تطبيق القانون من أجل تركيا.

الخلاصة

لا خلاف على أن تركيا أصبحت مصدرًا لعدم الاستقرار في شرق البحر المتوسط. وتوجد أدلة كافية على أن تركيا أصبحت راعيةً للإرهاب على نطاق عالمي. إذ إنها تحتل مناطق من ثلاث دول وتشتهي المزيد مع التشكيك العلني لأردوغان في معاهدة لوزان. وربما يتخيل بعض الدبلوماسيين الأمريكيين، الذين سُحروا بوقتهم في أنقرة وإسطنبول، أنه من خلال السكوت عن المظالم التركية، بغض النظر عن مدى كونها فظيعة وغير مبررة، يمكنهم استعادة الشراكة الأمريكية التركية.

ولربما قد يعتقد جيفري بصدق أنه من خلال الانصياع تقريبًا لكل مطالب أردوغان أو خيانة الأكراد الذين قاتلوا بجانب الولايات المتحدة لهزيمة مقاتلي داعش المدعومين من تركيا، يمكنه بطريقة ما الحد من نفوذ روسيا في سوريا. ولكن في الواقع كانت تصرفات جيفري نافعة ليس فقط لأردوغان ولكن أيضًا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وبدلاً من تعزيز الأمن في شرق البحر المتوسط، فإن مراوغات وزارة الخارجية قوضته. وقد يبطئ وزير الخارجية مايك بومبيو تنفيذ قانون مواجهة أعداء أمريكا من خلال العقوبات مراعاةً للرئيس ترامب، لكن هذا مجرد غيض من فيض. إن وزارة الخارجية تعاني من مشكلة ضخمة اسمها تركيا، وحتى أن تقوم وزارة الخارجية بالعمل وفقًا لقانون الولايات المتحدة وتوجه الكونغرس لغرض واحد وكجزء من استراتيجية وطنية متماسكة وبما يتوافق مع مصالح الولايات المتحدة، فإن الأمن القومي للولايات المتحدة سوف يعاني.

نقلاً عن: العربية .